الىفي اليوم الخامس والأربعين من الحرب التي اندلعت بسبب المذابح التي ارتكبتها حماس ضد المدنيين الإسرائيليين، كانت الملاحظة ثابتة: لا أحد يحاسب الفلسطينيين في غزة. في نظر رجال الميليشيات، أولاً وقبل كل شيء، الذين شنوا هجومهم واحتجازهم للرهائن دون أي اعتبار لعواقبه. ثم إلى الجيش الإسرائيلي، الذي انطلق بهدف واحد، وهو القضاء على الحركة الإسلامية، التي يخضع لها مصير أكثر من مليوني مدني، على الرغم من هشاشتهم ومعوزتهم. أخيرًا، في نظر الحلفاء الغربيين للدولة اليهودية، الذين يواصلون الحكم، باستثناء القليل من السعال، على أن هذا الثمن الذي يجب دفعه مقبول على الإطلاق.
منذ أن سيطر الجيش الإسرائيلي على النصف الشمالي من غزة، بدأت تظهر الأدلة على القضاء على حماس ببطء. أما صور الدمار التي لحقت بأحياء بأكملها في أكبر مدينة فلسطينية، فهي متاحة لكل من يريد رؤيتها، على الرغم من الأبواب المغلقة التي تفرضها إسرائيل. وحالة مدينة غزة ليست فريدة من نوعها. وفي كل مكان، وفي الجزء الذي استثمره الجيش الإسرائيلي، أدى الهجوم على رجال الميليشيات وبنيتهم التحتية إلى مقتل آلاف الأشخاص، وهو رقم لم تعد السلطات الأمريكية تشك فيه، وتدمير آلاف المباني أو إلحاق أضرار جسيمة بها، خاصة في مخيمات اللاجئين.
صدمة النكبة
شبكات المياه والكهرباء والطرق والمدارس والمستشفيات، لا شيء يفلت من الضربات أو العمليات الإسرائيلية التي بلغت ذروتها بالاستيلاء على مستشفى الشفاء، الذي وُصف منذ ذلك الحين بأنه “منطقة الموت” من قبل منظمة الصحة العالمية. وتؤكد السلطات الإسرائيلية عدم وجود روح انتقامية بعد مجازر 7 أكتوبر. إن سبب الوجود المشتبه به أو المؤكد لرجال الميليشيات أو الأنفاق هو بمثابة مبرر عام لتدمير أو إغلاق البنية التحتية الصحية الحيوية في أوقات الحرب. وإلا فكيف يمكن وصف العمل المنهجي الذي يعني أن نصف المباني في غزة، التي تعد كثافتها السكانية من الأعلى في العالم، أصبحت الآن مدمرة أو متضررة، بحسب تقديرات متسقة.
ولم ينته الفلسطينيون من هذا الدمار، إذا صدقنا السلطات الإسرائيلية، التي أعلنت، في 19 تشرين الثاني/نوفمبر، عن مرحلة جديدة من عمليتها. وهي تستهدف الآن مدينة خان يونس الكبيرة في الجنوب. ويعتزم الجيش الإسرائيلي مطاردة قادة حماس الذين من الواضح أنهم لم يكونوا في المنطقة التي تحولت إلى حقول من الأنقاض وحيث حوصر آلاف الأشخاص.
المدنيون محرومون من كل شيء، وتُركوا لحالهم، ويتجولون بشكل مأساوي، في مخيمات مؤقتة، ويعانون من الحرمان الشديد، هكذا هي الحياة اليومية في غزة الآن. فهي تجعل سكانها يعيشون من جديد صدمة النكبة، “الكارثة” التي تمثلت في تهجيرهم القسري خلال الحرب الإسرائيلية العربية الأولى (1948-1949). فالحالي يضرب شريطاً ضيقاً من الأرض بنيوياً على حافة الهاوية بفعل حصار لا يرحم، برياً وبحرياً، تفرضه إسرائيل منذ ستة عشر عاماً، بمساعدة مصر عبد الفتاح السيسي. وعاما بعد عام، كانت الإحصائيات الاجتماعية والاقتصادية المذهلة التي يصدرها البنك الدولي تشهد على الكارثة، لكن الفلسطينيين في غزة لم يقوموا بإحصاء هذه الكارثة بالفعل.